فصل: باب الِاسْتِنْجَاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.وَمن المندوبات:

أَن يَقُول بعد الْوضُوء مُسْتَقْبل الْقبْلَة أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. انْتَهَى كَلَام الرَّافِعِيّ.
وَهَذَا الدُّعَاء وَارِد فِي عدَّة أَحَادِيث مَعَ زِيَادَة:

.أَحدهَا:

رَوَى مُسلم عَن مُحَمَّد بن حَاتِم بن مَيْمُون، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، نَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة يَعْنِي بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: وحدَّثَني أَبُو عُثْمَان عَن جُبَير بن نفير، عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: «كَانَت علينا رِعَايَة الْإِبِل، فَجَاءَت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما يحدث النَّاس، فأدركت من قَوْله: مَا من مُسلم يتَوَضَّأ فَيحسن وضوءه ثمَّ يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ مُقبلا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِه وَوَجهه إِلَّا وَجَبت لَهُ الْجنَّة. قَالَ: فَقلت: مَا أَجود هَذِه؛ فَإِذا قَائِل بَين يَدي يَقُول: الَّتِي قبلهَا أَجود. فَإِذا عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنِّي قد رَأَيْتُك جِئْت آنِفا، قَالَ: مَا مِنْكُم من أحد يتَوَضَّأ فَيبلغ أَو يسبغ الْوضُوء ثمَّ يَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ».
قَالَ: وحدثناه أَبُو بكر بن أبي شيبَة، نَا زيد بن الْحباب، نَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وَأبي عُثْمَان، عَن جُبَير بن نفير بن مَالك الْحَضْرَمِيّ، عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:... فَذكر مثله، غير أَنه قَالَ: «من تَوَضَّأ فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من الطَّرِيق الأولَى الَّتِي لمُسلم إِلَّا أَن لَفظه «قلت: مَا هُوَ يَا أَبَا حَفْص؟ قَالَ: إِنَّه قَالَ آنِفا قبل أَن تَجِيء: مَا من أحد يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء ثمَّ يَقُول حِين يفرغ...» فَذكره بِمثلِهِ، ثمَّ قَالَ: أَبُو عُثْمَان هَذَا يشبه أَن يكون حريز بن عُثْمَان الرَّحبِي وَإِنَّمَا الِاعْتِمَاد عَلَى الْإِسْنَاد الأول- يَعْنِي: الَّذِي أخرجه مُسلم- لِأَن حريز بن عُثْمَان لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ رفع نظره إِلَى السَّمَاء فَقَالَ...» وسَاق الحَدِيث.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام وَقَبله الْمُنْذِرِيّ فِي اختصاره للسنن: فِي إِسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة رجل مَجْهُول.
قلت: هَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا أَبُو دَاوُد عَن الْحُسَيْن بن عِيسَى البسطامي- وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ- عَن أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ- وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ الشَّيْخ- عَن حَيْوَة بن شُرَيْح- وَهُوَ فَقِيه مصر وزاهدها ومحدثها، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ أَيْضا- عَن أبي عقيل- واسْمه: زهرَة بن معبد التَّيْمِيّ، كَانَ من الْأَوْلِيَاء، احْتج بِهِ البُخَارِيّ- عَن ابْن عَمه- وَهُوَ مَجْهُول كَمَا اعتقداه، لَكِن هُوَ أَبُو بكر الصّديق رَضي اللهُ عَنهُ كَمَا أَفَادَهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي- عَن عقبَة بن عَامر، فَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وأخرجها أَحْمد فِي مُسْنده أَيْضا.
وَوَقع فِي الْمُهَذّب للشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة غَرِيبَة، وَهِي: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. صَادِقا من قلبه...» الحَدِيث، هَذِه الزِّيَادَة لم أرها فِي شَيْء من رِوَايَات هَذَا الحَدِيث فِي الْكتب الْمَشْهُورَة، وَذكرهَا فِيهِ الْحَافِظ قطب الدَّين ابْن الْقُسْطَلَانِيّ فِي كِتَابه الموسوم بالأدوية الشافية فِي الدَّعْوَات الكافية وَلم يذكرهَا بِإِسْنَاد حَتَّى نَنْظُر فِيهِ فَإِن الْكتاب الْمَذْكُور جَمِيعه بِغَيْر إِسْنَاد، وَأفَاد الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي بِأَن هَذِه الزِّيَادَة مَوْجُودَة لَكِنَّهَا ضَعِيفَة، فَقَالَ مَا نَصه: هَذِه الزِّيَادَة غير مَحْفُوظَة من طَرِيق الثِّقَات الْمُعْتَمد عَلَى حَدِيثهمْ. وَخَالف النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذِه اللَّفْظَة لَيست مَوْجُودَة فِي كتب الحَدِيث وَلكنهَا شَرط بِلَا شكّ.

.الحديث الثَّانِي:

عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين. فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عمرَان الثَّعْلَبِيّ الْكُوفِي، نَا زيد بن حبَان عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن يزِيد الدِّمَشْقِي، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وَأبي عُثْمَان، عَن عمر.. فَذكره.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده اضْطِرَاب، وَلَا يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبَاب كَبِير شَيْء قَالَ مُحَمَّد: وَأَبُو إِدْرِيس لم يسمع من عمر شَيْئا.
قلت: وَطَرِيق حَدِيث مُسلم الْمُتَقَدّمَة سَالِمَة من هَذَا الِاعْتِرَاض؛
فَإِنَّهُ ذكرهَا عَن ربيعَة، عَن أبي إِدْرِيس وَأبي عُثْمَان، عَن جُبَير بن نفير، عَن عقبَة. وَطَرِيق التِّرْمِذِيّ هَذِه معللة بالانقطاع بَين أبي إِدْرِيس وَعمر، وَذكر الْحَافِظ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام هَذَا الحَدِيث وَسكت عَنهُ وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان وَقَالَ: سكت عَنهُ مصححًا لَهُ وَهُوَ مُنْقَطع. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: هُوَ خطأ، إِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس، عَن عقبَة، عَن عمر وَمُعَاوِيَة، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي عُثْمَان، عَن جُبَير بن نفير، عَن عمر. قَالَ: وَلَيْسَ لأبي إِدْرِيس سَماع من عمر. قلت: من أَبُو عُثْمَان هَذَا؟ قَالَ: شيخ لم أعرفهُ. وَقد نَص التِّرْمِذِيّ فِي جامعه عَلَى أَن أَبَا إِدْرِيس لم يسمع من عمر، وَالْقَوْل بِأَن أَبَا عُثْمَان لم يسمعهُ من عمر هُوَ لأجل إِدْخَال جُبَير بن نفير بَينهمَا.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: لمن صَححهُ أَن يَجْعَل رِوَايَة أبي إِدْرِيس وَأبي عُثْمَان عَن عمر مُرْسلَة، وَيَأْخُذ بِالزِّيَادَةِ فِي إِثْبَات عقبَة بن عَامر بَين أبي إِدْرِيس وَعمر، وَإِثْبَات جُبَير بن نفير بَين أبي عُثْمَان وَعمر، فَإِن الْأَخْذ بِالزَّائِدِ أولَى. قَالَ: وَلما أخرجه ابْن مَنْدَه قَالَ: هَذَا حَدِيث مَشْهُور من طرق عَن عقبَة بن عَامر وَعَن عمر بن الْخطاب، أخرجه مُسلم، وَهُوَ صَحِيح عَلَى رسم أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ، وَفِيه زيادات.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَرويت الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة غير عمر.

.الحديث الثَّالِث:

عَن ثَوْبَان رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ».
رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي سنَنه- كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام- قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن ثَوْبَان إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
قلت: ورأيته فِي أَوَائِل الْجُزْء الثَّانِي انتقاء الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ قَالَ عقبه: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، تفرد بِهِ أَبُو سعد الْبَقَّال سعيد بن الْمَرْزُبَان.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة وَلَفظه: «من تَوَضَّأ فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فتحت لَهُ أَبْوَاب الثَّمَانِية من الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ».
وَرَوَاهُ المستغفري فِي الدَّعْوَات بِلَفْظ: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين...» الحَدِيث.

.الحديث الرَّابِع:

عَن أنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ ثَلَاث مَرَّات: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة من أَيهَا شَاءَ دخل».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَفِي إِسْنَاده: زيد الْعمي، وَقد تقدم أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي الْبَاب.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَأخرجه المستغفري فِي الدَّعْوَات وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
قلت: رَأَيْته فِيهِ، وَأخرجه أَحْمد فِي الْمسند بالسند الْمَذْكُور وَأسْقط «أشهد» من الثَّانِيَة، وَقَالَ: «فتح لَهُ من الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب من أَيهَا شَاءَ دخل».

.الحديث الخَامِس:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من تَوَضَّأ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. كتب فِي رق ثمَّ طبع بِطَابع فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة هَكَذَا من حَدِيث يَحْيَى بن كثير أبي غَسَّان عَن شُعْبَة عَن أبي هَاشم، عَن أبي مجلز، عَن قيس بن عباد، عَن أبي سعيد. ثمَّ رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد عَن شُعْبَة عَن أبي هَاشم قَالَ: سَمِعت أَبَا مجلز يحدث عَن قيس بن عباد، عَن أبي سعيد قَالَ: «مَا من مُسلم يتَوَضَّأ وَيَقُول: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك...» ذكره مَوْقُوفا.
وَإسْنَاد هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ- أَعنِي المرفوعة والموقوفة- صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم لَا نعلم طَعنا فِي وَاحِد من رِجَاله، بل هم أَئِمَّة أَعْلَام ثِقَات.
وَرَوَاهُ المستغفري فِي «دعواته» «من قَالَ إِذا تَوَضَّأ: بِسم الله. وَإِذا فرغ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. طبع عَلَيْهَا بِطَابع، وَوضعت تَحت الْعَرْش، فَلَا تكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة».
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي سعيد مَوْقُوفَة «من تَوَضَّأ ففرغ من وضوئِهِ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. ختم عَلَيْهَا بِخَاتم ثمَّ وضعت تَحت الْعَرْش فَلَا يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة».
ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث رَفعه قيس وَوَقفه سُفْيَان الثَّوْريّ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه بعد أَن رَوَاهُ: لم يروه مَرْفُوعا عَن شُعْبَة إِلَّا يَحْيَى بن كثير. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْخَبَر الأول من فَوَائِد أبي إِسْحَاق الْمُزَكي من حَدِيث عِيسَى بن شُعَيْب، عَن روح بن الْقَاسِم، عَن أبي هَاشم مَرْفُوعا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ غَرِيب عَن روح بن الْقَاسِم، تفرد بِهِ عِيسَى بن شُعَيْب. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَازِمِي: إِسْنَاده حسن ثَابت وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا، وَرَفعه ضَعِيف.
قلت: حكمه عَلَى رِوَايَة الرّفْع بالضعف خطأ، وَكَذَلِكَ قَول ابْن الصّلاح فِيهِ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد لَيْسَ بِالْقَوِيّ لَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَكَذَلِكَ حكم النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار والْخُلَاصَة عَلَيْهِ بالضعف لَا يقبل، وَأغْرب من ذَلِك قَوْله فِي شرح الْمُهَذّب: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة بِإِسْنَاد غَرِيب ضَعِيف، رَوَاهُ مَرْفُوعا وموقوفًا عَلَى أبي سعيد، وَكِلَاهُمَا ضَعِيف الْإِسْنَاد. هَذَا لَفظه، وواعجباه؛ كَيفَ يكون إِسْنَاده غَرِيبا أَو ضَعِيفا؟! فرجاله أَئِمَّة أَعْلَام ثِقَات، وهاك سبر أَحْوَالهم لنقضي الْعجب من هَذِه المقالات ونثلج إِلَى قَلْبك الْيَقِين.
أما يَحْيَى بن كثير أَبُو غَسَّان فَأخْرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة وَهُوَ ثِقَة. وَأما شُعْبَة فَهُوَ ابْن الْحجَّاج الْعَتكِي الْحَافِظ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث أخرج لَهُ السِّتَّة أَيْضا. وَأما أَبُو هَاشم فَهُوَ الرماني الوَاسِطِيّ اسْمه: يَحْيَى، وَقيل: نَافِع، ثِقَة أخرج لَهُ السِّتَّة أَيْضا. وأما أَبُو مجلز فاسمه لَاحق بن حميد السدُوسِي ثِقَة أخرج لَهُ السِّتَّة أَيْضا. وَأما قيس بن عباد فَهُوَ الْقَيْسِي أَبُو عبد الله ثِقَة مُتَألِّه، أخرجُوا لَهُ ماعدا التِّرْمِذِيّ.
هَذَا حَال رِوَايَة الرّفْع، وَأما رِوَايَة الْوَقْف فمحمد بن بشار هُوَ الْحَافِظ، أخرج لَهُ السِّتَّة وَبَاقِي الْإِسْنَاد مثل الأول فَهَذَا الْإِسْنَاد من طريقيه كَالشَّمْسِ لَا جرم أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي ذكر فَضَائِل سور وآي مُتَفَرِّقَة عَن أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن عُثْمَان الْمُقْرِئ، نَا أَبُو قلَابَة عبد الْملك بن مُحَمَّد، ثَنَا يَحْيَى بن كثير، نَا شُعْبَة، عَن أبي هَاشم، عَن أبي مجلز عَن قيس بن عباد، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف كَمَا أنزلت كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة من مقَامه إِلَى مَكَّة، وَمن قَرَأَ عشر آيَات من آخرهَا ثمَّ خرج الدَّجَّال لم يُسَلط عَلَيْهِ، وَمن تَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك. كتب برق ثمَّ طبع بِطَابع فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: سُفْيَان الثَّوْريّ رَوَاهُ عَن أبي هَاشم فَوَقفهُ. ثمَّ أخرجه عَن الْقطيعِي، عَن عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان، عَن أبي هَاشم، عَن أبي مجلز، عَن قيس بن عباد، عَن أبي سعيد قَالَ: «من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف...» فَذكر نَحوه.
وَرَأَيْت فِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَن وقف هَذَا الحَدِيث هُوَ الصَّوَاب.
وَعَن النَّسَائِيّ أَن رَفعه خطأ وَأَن الصَّوَاب وَقفه، وَلَك أَن تَقول: أَي دَلِيل عَلَى صَوَاب رِوَايَة الْوَقْف وَخطأ رِوَايَة الرّفْع، ورواة هَذِه هم رُوَاة هَذِه؟ وَالْحق- إِن شَاءَ الله- الَّذِي لَا يَتَّضِح غَيره أَن رِوَايَة الرّفْع صَرِيحَة صَحِيحَة كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
«الطابع» الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا لُغَتَانِ فصيحتان، وَهُوَ الْخَاتم، وَمَعْنى طبع: ختم. و«الرَق» الْمَذْكُور فِيهِ مَفْتُوح الرَّاء.
وَقَوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فَلم يكسر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» مَعْنَاهُ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ إبِْطَال وإحباط.

.الحديث السَّادِس:

عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من تَوَضَّأ وَغسل كفيه ثَلَاثًا، واستنثر ثَلَاثًا ومضمض ثَلَاثًا وَغسل وَجهه وَيَديه ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه ثَلَاثًا، وَغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. قبل أَن يتَكَلَّم غفر لَهُ مَا بَين الوضوءين».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَقد تقدم فِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من هَذَا الْبَاب مثل هَذَا الحَدِيث، من حَدِيث عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهُ وتكلمنا هُنَاكَ عَلَى ابْن الْبَيْلَمَانِي وَأَبِيهِ.

.الحديث السَّابِع:

عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم:
«إِذا فرغ أحدكُم من طهوره فَلْيقل: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. ثمَّ ليصل عليَّ؛ فَإِذا قَالَ ذَلِك فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة».
رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي جمعه لحَدِيث الْأَعْمَش كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ فِي الإِمام وَفِي إِسْنَاده عَمْرو بن شمر، وَهُوَ مَتْرُوك عِنْدهم.
قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن هَاشم الغساني، نَا سُلَيْمَان الْأَعْمَش، عَن شَقِيق، عَن عبد الله قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «إِذا تطهر أحدكُم فليذكر الله فَإِنَّهُ يطهر جسده كُله، فَإِن لم يذكر أحدكُم اسْم الله عَلَى طهوره لم يطهر إِلَّا مَا مر عَلَيْهِ المَاء، فَإِذا فرغ أحدكُم من طهوره فليشهد..» بِمثل الَّذِي قبله.
وَيَحْيَى بن هَاشم قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث.
قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر- وَهُوَ اليمامي مُتَكَلم فِيهِ- عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله مَرْفُوعا مثل الأول.
قَالَ: وَأخرجه أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ من جِهَة أبي الشَّيْخ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث مَشْهُور لَهُ طرق عَن عمر بن الْخطاب وَعقبَة بن عَامر وثوبان وَأنس، لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا ذكر الصَّلَاة إِلَّا فِي هَذِه الرِّوَايَة.

.الحديث الثَّامِن:

عَن عَلّي- كرم الله وَجهه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يَا عَلّي، إِذا فرغت من وضوئك فَقل: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين. تخرج من ذنوبك كَيَوْم وَلدتك أمك، وَيفتح لَك ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يُقَال لَك: ادخل من أَيهَا شِئْت»
رَوَاهُ الْحَافِظ قطب الدَّين بن الْقُسْطَلَانِيّ فِي كِتَابه الموسوم بالأدوية الشافية فِي الْأَدْعِيَة الكافية.
هَذَا آخر مَا أردناه من إِيرَاد هَاتين الخاتمتين، ختم الله لنا وللناظر فيهمَا بخاتمة الْخَيْر، وبوأنا بهما جنَّة عدن، إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب أعن.

.باب الِاسْتِنْجَاء:

ذكر فِيهِ- رَحْمَة الله عَلَيْهِ- من الْأَحَادِيث تِسْعَة وَعشْرين حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وليستنج أحدكُم بِثَلَاثَة أَحْجَار».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح بعض من حَدِيث طَوِيل رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي فِي مُسْنده، وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد، فَإِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها، وَلَا يستطب بِيَمِينِهِ. وَكَانَ يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار وَينْهَى عَن الروث والرمة».
هَذَا لفظ ابْن حبَان، وَلَفظ الشَّافِعِي: «إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد- وَفِي رِوَايَة: مثل الْوَالِد- فَإِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْغَائِط فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها بغائط وَلَا بَوْل، وليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار: وَنَهَى عَن الروثة والرمة، وَأَن يستنجي الرجل بِيَمِينِهِ».
كَذَا هُوَ فِي الْمسند والْأُم وَكَذَا هُوَ فِي الْمُخْتَصر إِلَّا أَن لَفظه: «ويستنجي بِثَلَاثَة أَحْجَار».
وَلَفظ ابْن خُزَيْمَة: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد لوَلَده؛ فَلَا يسْتَقْبل أحدكُم الْقبْلَة وَلَا يستدبرها- يَعْنِي: فِي الْغَائِط- وَلَا يسْتَنْج بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَار، لَيْسَ فِيهَا رَوْث وَلَا رمة».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان «إِنِّي أَنا لكم مثل الْوَالِد أعلمكُم، إِذا أتيتم الْغَائِط؛ فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها، وَلَا يستنجي أحدكُم بِيَمِينِهِ وَكَانَ يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَينْهَى عَن الروث والرمة».
وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ فِي مُسْنده وَهَذَا لَفظه: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد للْوَلَد أعلمكُم؛ فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها، وَإِذا استطبت فَلَا تستطب بيمينك. وَكَانَ يَأْمُرنَا بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَينْهَى عَن الروث والرمة».
وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِاللَّفْظِ الأول الَّذِي ذكره ابْن حبَان إِلَّا أَنه قَالَ فِي أَوله: «إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد أعلمكُم؛ فَإِذا أَتَى أحدكُم الْغَائِط...» بِمثلِهِ سَوَاء.
وَابْن مَاجَه فِي سنَنه وَهَذَا لَفظه: «إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد لوَلَده أعلمكُم، إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها. وَأمر بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَنَهَى عَن الروث والرمة، وَنَهَى أَن يَسْتَطِيب الرجل بِيَمِينِهِ».
وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه وَهَذَا لَفظه: «إِنَّمَا أَنا لكم مثل الْوَالِد أعلمكُم، فَإِذا ذهب أحدكُم إِلَى الْخَلَاء فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها، وَلَا يستنجي بِيَمِينِهِ. وَكَانَ يَأْمر بِثَلَاثَة أَحْجَار، وَكَانَ ينْهَى عَن الروث والرمة».
وَأَسَانِيده كلهَا صَحِيحَة، وَأَصله فِي صَحِيح مُسلم وَلَفظه فِيهِ: «إِذا جلس أحدكُم لِحَاجَتِهِ فَلَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها».
وَقد شهد لَهُ بِالصِّحَّةِ إمامنا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي معرفَة السّنَن والْآثَار: قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: هَذَا حَدِيث ثَابت.
«الرِّمَّةِ»- بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم- الْعظم الْبَالِي. قَالَه جماعات، قَالَ الْخطابِيّ: وَيُقَال: إِنَّمَا سميت رمة؛ لِأَن الْإِبِل ترمها أَي: تأكلها. قَالَ: وَقَوله: «إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد» كَلَام بسط وتأنيس للمخاطبين لِئَلَّا يحتشموه وَلَا يستحيوا عَن مَسْأَلته فِيمَا يعرض لَهُم من أَمر دينهم كَمَا لَا يستحي الْوَلَد عَن مَسْأَلَة الْوَالِد فِيمَا عَنَّ وَعرض لَهُ من أَمر. وَذكر صَاحب الْحَاوِي مَعَ هَذَا تَأْوِيلا آخر أَن يكون مَعْنَاهُ يلْزَمنِي تأديبكم وتعليمكم أَمر دينكُمْ كَمَا يلْزم الْوَالِد ذَلِك.
قَالَ النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَيجوز أَن يكون كالوالد فِي الْأَمريْنِ، وَفِي ثَالِث أَيْضا، وَهُوَ الْحِرْص عَلَى مصلحتكم والشفقة عَلَيْكُم.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَتَى الْغَائِط فليستتر فَإِن لم يجد إِلَّا أَن يجمع كثيبًا من رمل فَلْيفْعَل».
هَذَا الحَدِيث بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد فرقه الإِمَام الرَّافِعِيّ فَذكر بعضه هُنَا وَبَعضه فِي آخر الْبَاب وَترك بعضه؛ فلنذكره هُنَا بِكَمَالِهِ فَنَقُول: رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ مطولا ومختصرًا، وَهَذَا لفظ أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن أكل فَمَا تخلَّل فليلفظ وَمَا لاك بِلِسَانِهِ فليبتلع، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج، وَمن أَتَى الْغَائِط فليستتر؛ فَإِن لم يجد إِلَّا أَن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره؛ فَإِن الشَّيْطَان يلْعَب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن وَمن لَا فَلَا حرج».
هَذَا أكمل رِوَايَات هَذَا الحَدِيث، وَلَفظ البَاقِينَ مُخْتَصرا، وَبَعْضهمْ يزِيد عَلَى بعض، وَالْحَاكِم ذكر قصَّة الْأكل مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا ومداره عَلَى أبي سعيد الحبراني الْحِمصِي وَيُقَال: أَبُو سعد الْخَيْر الْأَنمَارِي، واسْمه: زِيَاد. قَالَه الْمزي، وَقيل: عَامر بن سعد، وَقيل: عمر بن سعد- رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة.
قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: أَبُو سعيد الحبراني سَأَلت أَبَا زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ. فَقلت: ألقِي أَبَا هُرَيْرَة؟ فَقَالَ: عَلَى هَذَا يوضع. وَذكر أَبُو حَاتِم بن حبَان أَبَا سعيد هَذَا فِي ثقاته فِي التَّابِعين، وَذكره فِي الصَّحَابَة أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَابْن عبد الْبر وَقَالَ ابْن قَانِع: أَبُو سعد الْخَيْر الْأَنمَارِي اسْمه بحير، وَسَماهُ مُعَاوِيَة بن سَلام: بحيرًا.
قَالَ أَبُو دَاوُد- عَلَى مَا نَقله الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي تَهْذِيب الْكَمَال-: أَبُو سعد الْخَيْر من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ ذكر الشَّيْخ جمال الدَّين الْمزي عَن أبي سعد الْخَيْر حديثين فِي أَحدهمَا: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَزعم العسكري أَن الصَّحَابِيّ المكنى أَبَا سعيد الْأَنمَارِي والْمُسَمَّى عَامِرًا أَو عمرا هُوَ المكنى أَيْضا أَبَا كَبْشَة.
وَاخْتلف الْحفاظ فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث وتضعيفه بِحَسب تَوْثِيق بعض الْأَئِمَّة لأبي سعد الْخَيْر وجهالة بَعضهم إِيَّاه.
فَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَيْسَ إِسْنَاده بالقائم فِيهِ مَجْهُولَانِ. كَأَنَّهُ عَنى بِالْمَجْهُولِ الآخر حُصَيْن الْحِمْيَرِي الحبراني الرَّاوِي عَن أبي سعد الْخَيْر، وَلَيْسَ هُوَ مَجْهُولا؛ فقد ذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه الثِّقَات فِي أَتبَاع التَّابِعين فَقَالَ: كنيته أَبُو سعيد، رَوَى عَنهُ ثَوْر بن يزِيد، وَرَوَى عَن أبي سعد الْخَيْر. وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِي حَقه: شيخ مَعْرُوف. وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي فِي تَارِيخه: لَا أعلم إِلَّا خيرا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: شيخ. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث الْحصين الحبراني وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: الْحصين مَجْهُول وَأَبُو سعيد- أَو أَبُو سعد- الْخَيْر كَذَلِك. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: لم يحْتَج بِإِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَاحِد من الشَّيْخَيْنِ وَأَبُو سعد لَيْسَ بِمَشْهُور. هَذِه أَقْوَال من ضعفه، وَالْحق أَنه حَدِيث صَحِيح لاسيما عَلَى قَول أبي دَاوُد أَن أَبَا سعيد صَحَابِيّ، وَلَا يلْزم من عدم احتجاجهما بِسَنَدِهِ ضعفه، وَقد صَححهُ جماعات مِنْهُم الإِمَام أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه من الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فِي آخر كتاب الْأَطْعِمَة، وَقَالَ بعد إِخْرَاجه: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ فِي شرح مُسلم: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: هُوَ حَدِيث حسن. هَذَا كُله مَعَ سكُوت أبي دَاوُد عَنهُ.
وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ فِي علله: يرويهِ ثَوْر بن يزِيد، وَاخْتلف عَنهُ: فَرَوَاهُ عبد الْملك بن الصَّباح وَالْحسن بن عَلّي بن عَاصِم، عَن ثَوْر، عَن حُصَيْن الحبراني، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس، عَن ثَوْر، عَن حُصَيْن، عَن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة، وَالصَّحِيح عَن أبي سعيد.
«الْكَثِيب» الْمَذْكُور فِي الحَدِيث- بالثاء الْمُثَلَّثَة- قِطْعَة من الرمل مستطيلة مَحْدُود بِهِ تشبه الربوة.